إبن خلف" في أبوظبي
وتشير الدلائل- رغم اختلاف بعضها عن بعض – أن المدرسة الثالثة في الدولة، والأولى في أبو ظبي، كانت مدرسة "ابن خلف" وبعضهم أطلق عليها "مدرسة ابن عتيبة" نسبة إلى مؤسسها التاجر المعروف خلف بن عتيبة.وقد اختلفت أيضاً المصادر والروايات حول تاريخ نشأتها، ما بين عام 1911م إلى عام 1930، فيقول محمد مطر العاصي: (مرجع سابق) .
كانت من أوائل المدارس في أبو ظبي، تلك المدرسة التي افتتحها التاجر خلف بن عتيبة، وكانت تسمى مدرسة "ابن خلف" وتزامن افتتاحها مع افتتاح المدرسة الأحمديه بدبي والمدرسة التيمية بالشارقة عام 1912م. وقد تلقى طلبتها الدروس الدينية على يد الشيخ عبدا للطيف بن إبراهيم، أحد أفراد عائلة آل مبارك، وهو من علماء الإحساء بالمملكة ، واستمرت حتى عام 1926 .
وكان لبعض العلماء وشيوخ العلم إسهامات كبيرة في نشر التعليم في ذلك الوقت منهم: الشيخ محمد الكندي، وكان معلماً وقاضياً، وقام بتعليم القرآن الكريم والفقه والنحو وكان شيخاً يتصف بالتقوى والورع.
وفي عهد الشيخ حمدان بن زايد قام محمد علي أبو زينة – وكان قاضياً وإماماً – بتعليم الدروس الدينية، ومنها الفقه والقرآن الكريم .
وفي منطقة العين، كان الشيخ ثاني بن محمد قاضياً، وفي نفس الوقت مدرساً للمواد الدينية والقراءة والكتابة.
وممن تتلمذ على يد الشيخ عبداللطيف المبارك كل من الشيخ مجرن، وسلطان أبناء يوسف وعبدالله بن غنوم.
ويقول عيد بخيت المزروعي، في دراسة عن "تطور تاريخ التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة ونظرة إلى منهجية علمية"، حول هذه الفترة :" كان العلماء يفدون إليها لتعليم الناس القراءة والكتابة وعلوم الدين، وكان أهم من وفد إليها لهذا الهدف:
محمد علي أبو زينة: واستقدمه الشيوخ ليكون قاضياً وخطيباً وقام بالتعليم. وكان ذلك في عهد الشيخ حمدان بن زايد.
الشيخ محمد الكندي: وكان قاضياً ومعلماً، في نفس الوقت "مطوعا" وكانت تسمية الكندي لقب معلم والد الشيخ محمد الكندي، وقد سماه جده باسم ذلك المعلم، نظراً لعلمه وورعه وتقواه؛ ويدل ذلك على شرف قدر المعلم بين القوم، وهو بمثابة رد الجميل من التلميذ تجاه معلمه .
وفي " العين " كان الشيخ ثاني بن محمد يقوم بدور المطوع، وكان قاضياً.
كذلك نذكر عبداللطيف المبارك، وقد تعلم في مدرسته عبدالله بن غنوم والشيخ مجرن وسلطان بن يوسف.
وكان أهل بني ياس بكرمهم وجودهم يمدون يد العدون للمعلمين. كما أنشئ عدد من المدارس التقليدية في أبوظبي أهمها:
1- مدرسة السيد عبدالله عبدالرحيم الوسواس .
2- مدرسة السيد درويش بن كرم .
3- مدرسة السيد عبدالله العتيبة .
أما محمد بن علي المحمود فيقول: " إن بداية التعليم في أبوظبي كان بين الأعوام، 1330 هجرية (1911 ميلادية) إلى 1345 هجرية (1926 ميلادية) وقد أنشئت مدرسة دينية بمساعدة الوجيه الشيخ خلف بن عتيبة (رحمه الله)، وفيها تعلم الطلاب مجاناً، وكان يشرف عليها عالم ذكي الفؤاد والقلب، من المشايخ الأفاضل آل مبارك " .
وفي شعم ما بين عام 1350هـ حتى 1360 هجرية علم أحد خريجي التيمية وهو الشيخ صالح بن عبدالباقي. وبين أعوام 1325-1355 هجرية قام بالتعليم الديني في بلدة خصب عالم أديب، وهو الشيخ الخزرجي.
وفي سنة 1320هـ علم في الحمرية، تعليماً حقاً يعد تطورياً الشيخ عبدالصمد وأخوه الشيخ عبدالوهاب. وكانت هذه المدرسة تأخذ من الشيخ علي المحمود المساعدة، وسميت الوهيبية، ومن الذين تعلموا وعلموا فيها الشاعرالتاجر سالم بن علي العويس .
أما عن مناهج هذه المدارس كلها، فقد كانت متساوية، وأسلوبها الجديد على ميزان واحد. وزادت السالمية، التي امتازت بتعليم مسك الدفاتر على طريقة "البيلانجو"، وهذا لم يتح لغيرها من المدارس. المهم، إن مدرسة "ابن خلف" أو "ابن عتيبة" تعد هي أول مدرسة في ابوظبي، وكان من أبرز معلميها أيضاً –الشيوخ الأفاضل- عمر السالك الملقب "بالشنقيطي" وعبد العزيز المبارك، وعبدالله الرستماني، وراشد المبارك .
وكانت الدراسة فيها على فترتين: صباحية ومسائية، وقد عنيت مناهجها بتفسير القرآن الكريم، ودروس الفقه، وبألفية ابن مالك ومقامات الحريري، وبلغ عدد طلابها ما بين 20-25 طالباً، واستمرت في أداء رسالتها قرابة ثلاثين سنة. ومن أبرز طلابها عبدالله بن محمد غنوم، والشيخ مجرن وسلطان بن يوسف.
وكان المبنى المدرسي يتكون من ثلاثة خيم، مصنوعة من سعف النخيل، أما سور المدرسة فكان من السعف أيضاً .
مدرسة درويش بن كرم :
وفي عام 1940 قام درويش بن كرم بتأسيس المدرسة الأهلية بأبوظبي، وقد عُرف درويش بن كرم معلماً وإماماً وخطيباً ومختناً، أي مطهراً للأولاد وطبيباً شعبياً، ونجماً في حفلات "المالد" ومأذوناً يعقد القرآن، وقائماً بإدارة أعمال ديوان الحاكم، وشؤون كثير من الخدمات الحكومية آنذاك: كالإشراف على تصدير النفط من جزيرة داس، ومسئولية صرف رواتب الشرطة وموظفي الحكومة، وإصدار الجوازات المحلية، ومرافقة الشيوخ في الأسفار خارج الإمارة، ثم وكيلاً لأعمال الشيخ خالد بن سلطان آل نهيان، شقيق صاحب السمو رئيس الدولة.
ولدرويش الكثير من الأعمال الخيرية والمنجزات الاجتماعية لعل أبرزها تأسيسه لهذه المدرسة، وفق المقال المنشور في مجلة التربوي السنة الخامسة، أغسطس 1990 .
وبعد عدة أشهر بدأ بتجهيز "خيمته" من سعف النخيل، لتكون أول مدرسة من نوعها في الإمارة، ويسميها "المدرسة الأهلية"، والتي عرفت بمدرسة درويش، وفي تلك الخيمة قام بإستضافة البنين والبنات من أطفال الجيران والأقرباء والأصحاب وأبناء حيه السكني. كانت تلك مع بدايات افتتاح المدرسة، أما فيما بعد، فقد بلغ عدد طلبته من الفتيان والفتيات سبعين طالباً وطالبة في المتوسط، وأحياناً كان العدد يصل إلى حوالي المائة أو يتجاوزها.
وكان سن درويش حينها بين 13 إلى 15 سنة تقريباً. أما مواده الدراسية فقد تركزت على القرآن الكريم، ومبادئ فقه العبادات، والقراءة والكتابة، ومبادئ الحساب، ولم يبخل على طلبته بشيء من معارفه وعلومه، التي خبـأها حتى ذلك العمر. ولم يكن همه الربح، لذلك، فقد كان يتقاضى من كل طفل "خميسية" أي: في يوم الخميس من كل أسبوع، ما بين أربع "آنات" إلى نصف ربية فقط. بينما يعفي أبناء أصحاب الدخل المحدود من الدفع. وكان يهدف بالدرجة الأولى المساعدة والتعليم، بالرغم من أنه كان في حاجة لذلك، فحين بلغ السادسة عشرة سنة من العمر تولى الإمامة في مسجد "السليطي"، ولكن مقابل نصف روبية فقط في الشهر الواحد، أي: ست ربيات في السنة. ولقد كانت مصروفات المسجد من إيجار دكان واحد:"أوقف على المسجد" .
بعد فترة من استمرارية الدراسة في تلك "الخيمة"، التي بناها درويش في منزله، نقل مدرسته إلى غرفة بمنزل مبارك السليطي، وهو أحد كبار الأعيان يومها، وذلك بعد وفاته، ولم يكن الموقع الجديد للمدرسة يبعد عن المكان السابق، حيث كان في شمال سوق أبوظبي المركزي الجديد حالياً .
وقد طلب الشيوخ من درويش لاحقاً الانتقال للسكن بالقرب من المسجد الكائن بجانب "الحصن". فانتقل وبنى خيمة جديدة للمدرسة في جهة الشمال، مقابل الحصن، واستمرت المدرسة، كما استمر درويش مؤذناً وإماماً ثم خطيباً في مسجد الحصن. وكان هو الجامع الوحيد يومها تقريباً وكان السيد عبدالرحيم هو الإمام والخطيب السابق فيه .
وحين أصبحت مدرسته قديمة وبدأت تتداعى، نظم فيها العديد من الأبيات الفكاهية المعبرة ، يصف حالتها ويتمنى تشييد مبنى جديد لها، وقد لبى الشيوخ أمنيته وبنوا غرفة كبيرة مع صالة فسيحة مفتوحة الأطراف:"ديوان"، لتكون أول بناء حديث بطابوق وأسمنت لمدرسة في أبوظبي، هي : المدرسة الأهلية .
تخرج من المدرسة الأهلية وعلى يد المعلم والمربي الفاضل درويش بن كرم المئات من الطلبة والطالبات أبناء أبوظبي، بينهم معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة، وسمو الشيخ محمد بن بطي، وحارب بن سلطان، ولقد وجدنا ضمن ماثوراته من الوثائق والمستندات قوائم بأسماء عدد من طلبته .
وكان بن كرم يتذكر مانع العتيبة بأنه كان هادئاً، ومحمد بن بطي كان كثير الحركة، ولكنهما كانا في منتهى الذكاء، وذلك في سنوات دراستهما القرآن عنده। ويذكر أيضاً أن المدرسة الأهلية ضمت أيضاً شبه قسم داخلي لإقامة بعض الطلبة أبناء المناطق البعيدة، كالعين مثلاً.
L.M
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق